********
بقلم: محمد الكيلاني (*)
---------------------------
(* )الأمين العام للحزب الاشتراكي
بقلم: محمد الكيلاني (*)
---------------------------
ماذا يحدث في تونس هذه الأيام؟ خطابات نارية ضد لجنة الحريات، واتهام بالكفر والفسق والمثلية وأشياء أخرى يفرض علي الحياء عدم ذكرها. والأخطر من ذلك أن جمعية الأئمة ورئيس حزب سياسي أتى لتوه من عاصمة الضباب لتزعم الحملة ضد تقرير لجنة الحريات، وجدا في شارع بورقيبة ودعا أحدهما، أو دعوا معا، إلى الصلاة في الطريق العام. وكأننا بصدد العودة لـ 2012 وقت هجوم الحركة السلفية وحركة النهضة على شارع الحرية، أي شارع بورقيبة الذي عانق فيه الشعب التونسي حريته، من أجل أسلمته، ومن ورائه أسلمة الشارع التونسي. لا أظن أن أحدا نبتت في وجدانه وعقله بذرة الجمهورية أن ينسى الخطابات التكفيرية للسنوات السوداء، للصلاة الجماعية في شارع بورقيبة والتهديد بالسحل ودعوات إهدار الدم.
إن الجماعة لا يمزحون فقد مروا إلى سرعة أعلى، حيث جهزوا سيارات دفن الموتى بمكبرات الصوت لدعوة المواطنين للتوجه إلى تونس يوم السبت «للدفاع عن الاسلام» وهي دعوة تتناسب ودعوة حركة النهضة إلى التجمع في شارع بورقيبة. إن هذه الدعوة لم يكن لها شأن في علاقة بالسياسة ولا بالاقتصاد، بل جعلت من العقيدة محورها، لتقسم المجتمع التونسي إلى مجتمعين واحد يدافع عن الإسلام وآخر يمثل خطرا على الإسلام. أليست هذه دعوة الى تقسيم المجتمع تنخرط فيها حركة النهضة أحبت أم كرهت؟ ولا أظن أن أحدا يتهمها باطلا في هذا المستوى. وقد تكون مرت إلى مستوى هذه السرعة مباشرة بعد فوزها في معركة وزير الداخلية. وهي الآن تجمع قواها وتعدها لانتخابات 2019 التي سيتقدم فيها رئيسها للرئاسية. ونود أن نذكر بأن موقفها كان مرنا في تعامله مع تصريح رئيس الدولة حول المساواة في الإرث العام الماضي.
ألا يعتبر ذلك سعيا لفرض نمط مجتمعي لم يدم سوى لفترة محدودة في الزمن، وفي ما عدا ذلك ظل جاثما في المخيال الشعبي؟ لكن الإسلام السياسي هو الذي أعاد صياغته من وجهة نظر سلفية وهابية وللمودودي وسيد قطب ولمنظري السلفية الجهادية. لا شك وأن الرأي العام ومحبي الحرية يتذكرون جيدا «برسيبوليس» الذي حوله قادة ونشطاء وأتباع حركات الإسلام السياسي إلى محور صراع يقسم المجتمع التونسي. هؤلاء جميعا بذلوا جهد جبابرة عند صياغة الدستور من أجل فرض نمط حكم ومجتمع محكوم بالشريعة، واستغلوا كل مسألة جوهرية أو جزئية إلى قضية فاصلة تقسم المجتمع التونسي إلى مجتمع مسلم ومجتمع ملحد، يفرض الأول سلطانه على الثاني بحد السيف.
13 أوت عيد المرأة الذي يناسب تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية. وفي هذا العام اقترحت لجنة الحريات في تقريرها إصدار قانون للمساواة في الإرث. وهو مقترح يتماشى مع الدستور في الفصل الذي يؤكد على المساواة التامة بين المرأة والرجل. وهذا يعني أنه، زيادة على الإرث فهنالك المساواة في المسؤولية العائلية وفي الأجر وفي المسؤولية الإدارية، باختصار اعتبار المرأة إنسانا كاملا كما الرجل والاختلاف بينهما هو اختلاف في الجنس لا أكثر ولا أقل. تلك هي روح الدستور وذلك هو منطوقه، لكن الجماعة تريد استرجاع ما تنازلت عنه بالأمس تريد إحياء المفاهيم السلفية التكفيرية والجهادية. وتجاهلت بأن القيروان عرفت في ما عرفت به: الصداق القيرواني الذي تلزم فيه المرأة الرجل بعدم الزواج بامرأة ثانية، قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية بقرون. وتناسوا بأن الرسول وعدد لا خ من رجالات الدين الإسلامي سووا بين أبنائهم وبناتهم في الإرث وبأن الآية «للذكر مثل حظ الأنثيين» تعاملت معها المجتمعات كما تعاملت مع «ويل للمصلين»، وتناست الأصل «الذين هم عن صلاتهم ساهون». إنها تأويلات لا تبحث في المقاصد بقدر ما تتعلق بالنص الذي تجمدت قراءته من زاوية تمنع كل اجتهاد وإعمال للعقل وتفرض النقل منهجا في التعامل مع النص القرآني ومع الحديث ولا تأخذ منه واقعيا إلا ما يتماشى والهوى الأيديولوجي للسلفية التكفيرية والجهادية.
إن ما يفرض المساواة التامة بين المرأة والرجل ليست فقط المبادئ والقيم الإنسانية التقدمية النيرة بل هو أن المرأة اكتسبت العلم والمعرفة والتقنية والثقافة والفن وخرجت إلى ميدان الحياة العملية فاشتغلت في جميع المهن والقطاعات واحتلت جميع المناصب وأصبحت تساهم في حياة العائلة كما الرجل تماما. وهو تطور في الواقع يفرض بقوة منطقه أن تصبح المساواة حقيقة ويصبح الميز على أساس الجنس من عداد الماضي وفي متحف التاريخ.
نحن الآن مجددا في معركة المساواة التامة بين المرأة والرجل نقف مدافعين عن المرأة، ونعلم أيضا أن مسألة الإرث تمس المجتمع التونسي بأسره وتثير ذكورية الرجال وتجبر المرأة على الانكماش وبصورة خاصة لما يضعوها في موقع المعارض للإرادة الإلهية لـ«كلام ربي»، مما يجعلنا نناضل في محيط معارض إذا لم نقل معاد. وزيادة على ذلك فإن رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ترك الفرصة تمرَ، ساعة فوزه، دون أن يوجه رسالة عرفان للفئة الاجتماعية، المرأة، التي رفعته إلى الرئاسة بأن يسوي بينها وبين الرجل في مجال الإرث. ولما تراجع رصيد الثقة بدرجة كبيرة، جراء سياسة التوافق وتدهور الأوضاع العامة وبصورة خاصة أوضاع طبقات الشعب، حينها أراد أن يقدم للمرأة هذه الهدية، لكنه كان يريد بها في الحقيقة صعود المنحدر قبل الموعد الانتخابي في 2019.
ورغم العوامل السلبية المكبلة لحركة القوى الديمقراطية واليسارية والتقدمية واختلال ميزان القوى لفائدة القوى الرجعية والمحافظة، فإننا نقف إلى جانب المرأة من أجل مساواتها مع الرجل بما في ذلك في مجال الإرث. وهي معركة تؤسس للمستقبل، للمجتمع المتساوي العادل وتعد الى وضع المجتمع السلفي المتحجر في متحف التاريخ.
(* )الأمين العام للحزب الاشتراكي
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق